اعمدة و أراءبقلم القراء

سير الخزلان 

لجنة تحكيم مهرجان السودان الوطني للمسرح  1_ 2

بقلم :ربيع يوسف الحسن
مقدمات : 
سأكتب لأحرر نفسي من النميمة ، ولأحرر الظالمين من ظلمهم ، ولأساهم في أن نكون مجتمعا مدنيا يعتمد الكتابة لا الشفاهة ، سأكتب لنترك للأجيال القادمة وثيقتنا وإرثنا ، ولندير حوارا فكريا ديمقراطيا . 
ما إنتهت إليه لجنة تحكيم مهرجان السودان الوطني للمسرح من نتائج وقرارات وتوصيات يدرج في أدبيات مهنة المسرح في خانة التنظير والمعرفة لأن قرار أي لجنة تحكيم يجب أن يستند على علم وقيم وتقاليد المهنة التي يُحكم بين متنافسيها ، يعني بالضرورة أن جائزة التمثيل أو السنوغرافيا أو أي من عناصر العرض إنما منحت وفق تعريف مسبق لمفاهيم التمثيل والسنوغرافيا وغيرها من مفاهيم ، عليه تطمح مساهمتي هذه لمناقشة مدى علمية ومهنية هذه اللجنة التي إستندت عليها في منح جوائز المهرجان . 
تصادر كثير من الأصوات حق من يدعي ظلمه في الكتابة بدعاوي مختلفة لعل أكثرها ضجيجا تلك التي تردد عبارة أن هذا المدعي الظلم إرتضى – مسبقا تحكيم اللجنة التي يدعي ظلمها له – وبالتالي كان عليه أن لا يقبل المثول أمام هذه اللجنة وأن يقبل بقراراتها ، وهو حديث به مشاكل فكرية كبيرة لأنه يصادر حق التمتع بالرأي وثانيا لأنه يصادر احتمال التغيير والإصلاح فمن نملك حولهم وعنهم آراء مسبقة كثيرا ما يفاجئونا بعكس ما كنا نتصوره عنهم ، ثالثا المقامين مختلفين وأقصد مقام العرض المسرحي ومقام الرأي فالأول الأصل فيه فنان مسرحي وجمهور ومكان بمعنى لا ينفع أن يحرم المسرحي نفسه من ممارسة فنه ومهنته والأكثر فداحة حرمانه للجمهور من حقه في التمتع بمشاهدة فنه لمجرد أن بالصالة وجود عرضي للجنة مكونة من أفراد لا تتجاوز نسبتهم 1% من نسبة الجمهور الكلي ، أما مقام الرأي فهو مقام تنظير ومقاومة وتدافع رؤى فكرية مختلفة وهو مقام لن يكتب له التحقق ما لم يتحقق المقام الأول ، أي أن نعرض أمام من نملك حولهم آراء مسبقة وإلا ستظل تلك الآراء مجرد ظن لم يختبر بعد ، وفي ظل المعطى الذي يشهد على أن فرص المسرح قليلة ويسطير عليها فئة محددة من المسرحيين يفرضون شروطهم وذات لجانهم المتكررة يكون أمام المسرحي السوداني واحد من ثلاث خيارات الأول أن يقدم مسرحه متماهيا وخانعا لهذه الفئة تظلمه وتحدد قيمته ومقامه تابعا وخادما مسخرا ببساطة فنان بلا رأي ، الخيار الثاني أن يوقف المسرحي نشاطه بدعوى أن محور الشر مهيمن على فرص العمل ولن ينصفه حال قدم نشاطه ، الملاحظ هنا أن هذين الخيارين نتيجتهما المباشرة هي الموات ، أما الخيار الثالث هو أن يبقي المسرحي في المشهد وينتزع حقه في هذه الفرص الشحيحة بشرط أن يحافظ على موقع المقاومة ويقدم مسرحه محتفظا بحقه في إبداء الرأي ضد الظلم والتمييز والفساد وهو الخيار الذي ندعو الله أن يقدرنا عليه ، مسألة أخيرة هامة وهي أن الخيار الثالث وحده الذي يقيم الحجة إما على صاحب الرأي إما على اللجنة التي نمتلك حولها آراء مسبقة ، فإما شهد الجمهور والمختصون على مكر وظلم اللجنة في حال لم يتفق رأيها مع ما شاهده الجمهور والمختصون أو يتحقق العكس ويشهد الإثنان على إفتراء صاحب الرأي وظلمه لهذه اللجنة ، هكذا يتضح أن من واجب كل من يملك رأيا مسبقا أو حديثا في لجنة ما أو قضية ما ، أن يقدم عمله قبل الصامتين وإلا يكون رأيه محض ظن غير قابل للإختبار ، فضلا عن وجود مسرح بلا رأي وفكر . 
كذلك لا يجب أن يحرم من يستشعر الظلم من حقه في إبداء رأيه لسببين الأول إحتمال رفع الظلم عن هذا المظلوم ولو رمزيا ، ثم لأن في حال حرمانه من التعبير وإبداء الرأي المعلن ستجبره الى أن يفرغ إحساسه بالظلم عن طريق النميمة أو الإحتقان حتى الإنفجار الغير محمود عواقبه . 
تكوين اللجنة : 
يحدد مصلحة أي مهنة ما مدى إحترام مشتغليها بقيم كالتنوع وتبادل السلط والمجايلة وتمكين الشخص المناسب للمهمة المناسبة ، بينما يعني تكريس أشخاص بعينهم وتكرارهم الى تجبر أولئك الأشخاص لأننا أقرينا بأنهم السلطة الوحيدة التي بمقدورها أن تتحكم فينا وتحكمنا ، وفق هذا المنطق أقول أن تكوين لجنة مهرجان السودان الوطني للمسرح غالط القيم التي من شأنها تطوير وتحقيق مصلحة مسرحنا السوداني عموما ومهرجان السودان الوطني للمسرح خاصة فأربعة من أعضاءها الخمسة أولا فوق الستين ومن جيل واحد ، ثم لأن خمستهم غير مشتغلين بصناعة العرض المسرحي أو التنظير له بشكل لافت أو فارق ، ثم الأهم من ذلك أنهم ظلوا مجتمعين معظمهم أو بعضهم في آخر عشرين لجنة تحكيم أو نشاط مسرحي منذ العام ألفين تاريخ مهرجان البقعة الذي كرس أسماء هذه اللجنة مع كثير مما كرس من مصائب ظللنا نعاني منها ، مسألة أخرى لها علاقة بهذه القيم التي غالطناها بتكوين هذه اللجنة وهي أن أصحاب المصلحة الحقيقين في المهرجان ، وأعني ممثليه ومخرجيه وفنييه إنما رفضوا هذه اللجنة وجميع لجان المهرجان بمجرد الإعلان عنها في المؤتمر الصحفي للمهرجان ، رفضا مدنيا راقيا ضمنوه مذكرة مسببة قدمت لوزير الثقافة السابق الطيب حسن بدوي ، والذي إحترم وإقتنع بمذكرة أصحاب المصلحة وأصدر قرارا بإعادة النظر في لجان المهرجان وإعادة تكوينها ، الأمر الذي تم في لجنة مشاهدات المهرجان واللجنة التنفيذية بلجانها الفرعية طالما كان موجودا الوزير الطيب ولم يغير بعد وطالما كانت اللجنة العليا تأتمر بقرارات الوزير ، وهو حال تحايلت عليه اللجنة العليا للمهرجان عندما أخرت تكوينها للجنة التحكيم حتى ذهاب وتغيير الوزير لتبقي على ذات اللجنة بتغيير شخص واحد فيها هو الوحيد في لجنتهم من صناع العرض المسرحي الأستاذ محمد نعيم سعد الذي إستبدلته بموسيقي حاجة اللجنة له يمكن لأي مسرحي مثقف وصانع للعرض المسرحي أن يقوم بمهمته وبمهام أخرى لا يعرفها أو يخبرها الموسيقي وأعني مهمة إختيارأفضل موسيقى ومؤثرات صوتية في العروض المسرحية ، أقول أن تأخير لجنة المهرجان العليا لتكوين لجنة التحكيم ينم أولا عن خيانة لمذكرة أصحاب المصلحة الرافضون للجنة التحكيم ثم يكشف عن عجز وخوف اللجنة العليا للمهرجان ، عجزهم في إقناع الوزير بفعالية اللجنة المرفوضة وخوفهم من تكسير قراراته في ظل وجوده وزيرا . 
كذلك يعتبرإعلان لجنة التحكيم في إفتتاح المهرجان لا قبل إمضاء العقود بين مخرجي عروض المهرجان والوزارة إعلان يضمر الغدر والخجل والخوف ، فهو غدر لأنه غالط رفض المخرجين لهذه اللجنة وهو خجل من خيار هذه اللجنة ثم هو 
خوف من أن يقاطع أصحاب المصلحة المهرجان . 
قرارات اللجنة : 
كل ما تقدم يمكن أن يسميه البعض محض تنظير يخلو من مصاديق وحجج له ، لذلك سأحاول مناقشة قرارات اللجنة عل هذه الشبهة تزول أو تثبت ولنبدأ بجائزة الإخراج . 
الإخراج في أبسط تعريف له هو إدارة وقيادة عناصر العرض المسرحي المختلفة من إختيار نص جيد وتدريب ممثلين تدريبا يخدم الشخصية والرؤية الكلية للعرض ، والتوصل مع مصمم السنوغرافيا لتصور سنوغرافي يخدم الرؤية جماليا وفكريا ، وغير ذلك من عناصر العرض المسرحي ، وفق هذا التعريف يكون ترشيح وإستحقاق مخرج/ة ما لجائزة الإخراج هو تحقيقه لهذا المفهوم ،لكن أن ترشح عرضا مسرحيا لجائزة الإخراج وأنت لم ترشحه – مجرد ترشيح – لأي جائزة من جوائز التأليف والسنوغرافيا والتمثيل والموسيقى ، فأنت لجنة لا علاقة لها أو معرفة بمفهوم الإخراج وبالتالي جائزتك هذه ذهبت بها – لغير صاحبها وهذا بمنطقك أنت الذي رشح بالمقابل عروض لجوائز كالسنوغرافيا والتمثيل والتأليف والموسيقى ولم ترشح مجرد ترشيح نفس العروض لجائزة الإخراج ، بالله عليكم ما هو الإخراج إن لم يكن إدارة عناصر العرض من تأليف وتمثيل وسنوغرافيا … الخ . 
جائزة التأليف : 
نفس الأمر ينطبق بشكل أو آخر على هذه الجائزة فأي لجنة تحكيم لعروض مسرحية لتتوصل الى أن نص العرض الأفضل من بين نصوص العروض التي تُحكم بينها ، إنما وسيلتها للوصول لهذه النتيجة هي باقي عناصر العرض المسرحي أي أنها عبر التمثيل الجيد والسنوغرافيا الجيدة والموسيقى والإخراج الجيدين توصلت لأفضلية هذا النص ، ببساطة لأنها لجنة لا تُحكم في نصوص مقروءة قراءة أدبية بمعزل من هذه العناصر ، عليه لما كانت جائزة التأليف منحتها هذه اللجنة لعرض لم ترشحه لأي جائزة أخرى ، فأنها تكون أيضا ذهبت بهذه الجائزة لغير صاحبها . 
جائزة السنوغرافيا : 
أحد أهم التعاريف المتفق عليها لهذا المفهوم هو أنه جميع مسموعات ومرئيات العرض ، وبالتالي هو عنصر يتصل بشكل عضوي بعمل المخرج مع السنوغرافي وأنه عنصر كبير وحيوي لأي عرض مسرحي نجاح أي عرض مسرحي يتوقف على إدارة هذا العنصر إدارة خلاقة ، عليه حينما تمنح لجنة التحكيم هذه الجائزة لعرض لم تمنحه جائزة الإخراج ، فأنها لجنة تعرض خارج العلم والمهنية . 
جائزة التمثيل : 
هي جائزة لا ترتبط بحجم الدور والزمن الذي يؤديه الممثل بقدر ما ترتبط بنوع وبنائية الدور الذي يؤديه الممثل وإستراتيجية تشخيصه له ، يعني ماهو البناء النفسي والإجتماعي والفكري … الخ لهذا الدور أو الشخصية وكيف قدمها الممثل ، وفق أي مشاعر وإدارة جسد وفهم وإيقاع ؟ هل هي شخصية مكتوبة كتابة عميقة و معقدة بنائيا بحيث تحتاج لقدرات عالية لتأديتها ، أم بسيطة ومسطحة ويمكن لأي شخص تقديمها عن طريق الأداء النمطي والإكلشيهات ؟ وفق هذا الفهم أعتقد أن ترشيح ممثل لجائزة التمثيل لممثل لعب دور شخصية التاجر الجشع مقابل عدم ترشيح ممثل أدى دور شخصية كاتب تطارده إحدى شخصياته الإفتراضية لدرجة تفرض عليه كل تلك الإنفعالات العاطفية والجسدية إنما ترشيح يجعل من هذه اللجنة لجنة بعيدة عن العلمية والمهنية ، خاصة وأن ممثل الشخصية النمطية والبسيطة لجأ هو ومخرجه لخيار الإكلشيه المدرسي ( حشو منطقة البطن بالملابس للإشارة لجشع التاجر ، بينما ممثل شخصية الكاتب تخير إختبار تقديم أعقد الإنفعالات العاطفية والجسدية لتقديم الشخصية ، ولا يعيبه في ذلك بعض الأخطاء النحوية ) . 
نفس الأمر ينطبق على جائزة أفضل تمثيل نساء تلك التي منحتها اللجنة لممثلة عن دورها في عرض لعبت فيه دور بسيط لا يتطلب أي مجهود أدائي وعاطفي/ فكري كالذي تطلبه تمثيلها لشخصية في مسرحية أخرى في ذات المهرجان . 
جائزة الموسيقى : 
هل تصدقوا أن لجنة التحكيم قسمت هذه الجائزة بين متنافسين أحدهم ألف تأليف موسيقى خالص لعرضه وآخر غنى أغاني معروفة وليست أغانيه وأنه لم يقوم بتأليف باقي موسيقى العرض الذي نال عنه مقاسمة جائزة الموسيقى ؟ 
منهج اللجنة : 
أفصح رئيس لجنة التحكيم في إعلانه لقرارات ونتائج لجنته عن المنهج الذي إتخذوه للوصول للنتائج – ما مضمونه ( مهمتنا كانت صعبة لأن العروض كانت متميزة ومتقاربة مما جعلنا نختلف في إتخاذ القرارات النهائية ، لذلك لجأنا للتصويت لحسم إختلافنا ) . 
لجنة مكونة من تخصصات دقيقة وناقصة لا تستوعب تخصصات المسرح كلها كيف لها أن تتخذ التصويت منهجا لها ؟ بمعنى كيف لموسيقي أن يرشح ويصوت لجائزة الإخراج أو التمثيل أو السنوغرافيا مثلا ، وكيف لمصصمة أزياء وناقد مسرحي أن يرشحوا ويصوتوا لجائزة الموسيقى ؟ 
يا سادة في مثل هكذا لجان المنهج العلمي والعادل والموضوعي هو أن يُلجأ لصاحب التخصص ليفتئ في أمر الخلاف لا أن تلجأ لمنهج التصويت بدعاوي الديمقراطية . 
للتاريخ تكونت لجنة هذا المهرجان من دكتور خالد المبارك رئيسا ودكتور عثمان البدوي ودكتورزينب عبد الله ودكتور محمد سيف وأستاذ راشد مصطفى بخيت عضوا ومقررا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى