آنجي-عاطف عبدوناعمدة و أراء

متلازمة عركي

آنجي-عاطف عبدون
ما من وطن لم تصفعه يد الجلاد كل الأوطان صفعت وما من وطن ظل مصفوعاً للأبد كلها إستطاعت في لحظة ما أن تشل يد جلاديها، والأوطان يغتصبها الجلاد وحده ثم يحول ضحياه الي جلادين جدد.
في العام 1973سطا مجموعة من الصوص علي بنك بالعاصمة السويدية ستوكهولم وإتخذوا من موظفي البنك رهائن لقرابة الاسبوع وكانت النتيجة أن الرهائن إرتبطوا عاطفياً بالجناة ودافعوا عنهم ببسالة فأُطلق على هذه الحالة إسم "متلازمة ستوكهولم" وإن كانت متلازمة ستكهولم نتجت عن لاوعي الضحية فكم من متلازمات ستكهولمية أنتجتها الأنظمة الدكتاتورية عمداً ومع سبق الإصرار والترصد؟ وكم هم الضحايا الذين حولتهم الدكتاتوريات إلي متعاطفين معها ثم الي جلادين جدد؟
في العام 1989 عندما إغتصبت الإنقاذ هذه البلاد في ديمقراطيتها الثالثة كان معظم مبدعيها ضحايا إلا قلة إرتموا في حضنها ولفطتهم بعد حين, فحارب النظام المبدعين وشردهم وحفر مقابر جماعية للفنون وكان المبدعون هم أوائل الضحايا الذين صفعتهم أيادي النظام .
واليوم ونحن في العام 2017 وبعد 28 عاما كيف يبدو هو المشهد؟ إنكسر منهم من إنكسر وإنجرف من إنجرف وصمت من لا يقوي علي الكلام وإستطاع النظام عام بعد عام أن يسقط فطاحلة الإبداع في فخه ليحيزهم إليه أو للحياد في ظرف ينطق عليه ما قاله مارتن لوثر كنج "إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة" وفي هذا الخِضَم كان عركي هو رمزاً من رموز الصمود ضد هذا النظام وظل لأكثر من ربع قرن من الزمان معلناً موقفه الواضح والصريح, وعركي لم يتشكل حسه الوطني أو وعيه الإنساني بمجئ هذا النظام فـ مواقفه من هذا النظام تتطابق مع جل مواقفه من الأنظمة الديكتاتورية التي مضت وظل هو الفنان الذي رفض أي شكل من أشكال التعامل مع هذا النظام وظل صلباً ومتماسكاً وقوياً يكتب ويلحن ويغني للشارع السوداني وآماله واحلامه في ظرف إستثنائي.
والمؤلم في سيرة عركي هو ليس إنكسار رفاقه وتركه وحيداً ليس ذلك فقط بل المؤلم هو أن يظل عركي وفياً ومخلصاً قوياً وصلباً تلازمه مواقفه الصلبة نظام تلو نظام ويظل هو الفنان الأكثر إلتزاماً وتخندقاً في صف الشارع وهمومه ثم لا نكرمه نحن أبناء بلده فـ تكريمه كندا متمثلة في خارجيتها ثم بعد أن يُكرم في بلاد ليست ببلاده يتجاهل الإعلام السوداني الحدث أو يذكره علي مضض والمؤلم أكثر أن الكتاب الصحفيين الذين تناولوا رحلة عركي وتكريمه هم من يقفون في النقيض تماما من تجربته في الوقت الذي حظي فيه بتجاهل كتاب كنت أعتقد أنهم هم الأقرب لمشروع عركي فكرة ووجداناً ومبدأ.
وبالعودة لــ ستوكهولم و(لمتلازمتها) التي نتجت عن إنحياز الضحية للجلاد وتعاطفه معه فـ للخرطوم أيضا متلازمات نتجت عبر عقود من التجارب والمواقف وإن صح أن نطلق أسماء جديدة علي حالات قديمة تستمد صيرورتها من تلازمها مع قيم الحق والحب والوعي والجمال فسنجد أن ( متلازمة عركي ) هي المتلازمة النقيض (لمتلازمة ستوكهولم) فــ ( متلازمة عركي) هي حالة من التماسك تجعل الفرد قادراً علي التماسك طويل المدي رافضاً أي شكل من أشكال التعامل مع عدوه، فـ في المتلازمة الأولي إنحاز الضحية للجلاد لتعاطف خلقه الزمن إسبوعا كان أم عام وفي الثانية تزداد صلابة الضحية وتتباعد المسافات بينهما وتحتدم المواجهة عام بعد عام وهذا ما نتج وينتج من تجارب عركي ومواقفه تجاه النظام وهذا ما يمكن أن نطلق عليه (( متلازمة عركي))
يا وطن كل الأغاني حبيسه فيك
نطلع نغنيك في منافي تعيدنا ليك
لمتابعة الاخبار الفنية الثقافية زورو موقعنا الالكتروني صحيفة ريبورتاج:
صفحة الفيسبوك: https://www.facebook.com/reportagesd
تيليجرام: https://telegram.me/reportagesd
مجموعة الفيسبوك: https://www.facebook.com/groups/85632…
تويتر:https://twitter.com/reportagesd1

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى